يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}، {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون}، {كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون}.
فقد جاء القرآن موحدا اللهجات الكثيرة التى كانت منتشرة الى اللغة العربية، وهو -أى القرآن الكريم لم يخرج من مألوف العرب في لغتهم العربية المتعددة اللهجات من حيث المفردات والجمل، فمن حروفهم تألفت كلماته، ومن كلماتهم ركبت جمله، ومن قواعدهم صيغت مفرداته، وتكونت جمله، وجاء تأليفه، وأحكم نظمه، فكان عربياً جارياً على أساليب العرب وبلاغتهم.. ولكنه أعجزهم بأسلوبه وبيانه، وأعجزهم بمعانيه العظيمة وأحكامه الدقيقة العادلة الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، فجاء متحدياً البشر جميعهم باختلاف ثقافاتهم ودياناتهم ودرجاتهم العلمية أن يأتوا بمثله.
¤ أهمية العربية:
تعد العربية من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات إنتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات السبع الأكثر إستخدامًا في الإنترنت، وكذلك الأكثر إنتشارًا ونموًا متفوقةً على الفرنسية والروسية، وتتوقع الإحصاءات أن يتحدث بها عام 2050 نحو 647 مليون نسمة كلغة أولى.
¤ العربية والديانات:
وهى ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي كما قلنا لغة القرآن، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها، والعربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
لقد كان للغة العربية -بفضل الإسلام- أنصار ومحبون من غير العرب، وكان لها منهم علماء وأعلام عرَّبهم الإسلام، حتى كان منهم أصحاب المؤلفات الرائعة، في قواعد اللغة العربية وفي بلاغة القرآن، بل إن أعظم كتاب في النحو العربي هو كتاب سيبويه الفارسي، ومن أعظم كتب العربية وفقهها -الخصائص- لأبي الفتح عثمان بن جني الرومي اليوناني، وأشهر وأوثق مرجع لغوي في العربية -القاموس المحيط- لأبي طاهر محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزابادي وهو هندي.
وأشهر كتب إعجاز القرآن الكريم وأفضلها، مؤلفوها من غير العرب مثل:
- أحمد بن محمد الخطابي البستي الأفغاني.
- وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني.
- وعبد القاهر ابن عبد الرحمن الجرجاني.
وغيرهم كثير، ألفوا الكتب في مختلف الدراسات القرآنية، وفروع العربية وآدابها..
¤ العربية واللغات الاخرى:
وقد إمتد تأثير العربية في الكثير من اللغات الأخرى بسبب قداسة اللغة العربية بالنسبة للمسلمين إضافة إلى عوامل الموقع والجوار الجغرافي وعمليات التجارة، ويلاحظ هذا التأثير بشكل واضح في اللغة الفارسية حيث المفردات العلمية معظمها عربية، وكذلك فى اللغة الأردية والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والإسبانية والصومالية والسواحيلية وغيرها، من أبرز اللغات التي لا تزال تستخدم الأبجدية العربية في الزمن الحالي، اللغة الفارسية والكردية والأردية.
وكذلك فقد دخلت بعض الكلمات العربية في لغات أوروبية كثيرة مثل الألمانية، الإنكليزية، الإسبانية، البرتغالية، والفرنسية، وذلك عن طريق الأندلس وتبادل الثقافات الذي حدث طيلة عهد الحروب الصليبية.
¤ اللغات الاخرى والعربية:
رأينا كم أثرت العربية على اللغات الاخرى إلا أنها لم تتأثر هى باللغات المجاورة كثيراً رغم الإختلاط بين العرب والشعوب الأخرى، إذ بقيت قواعد اللغة العربية وبنيتها كما هي، لكن حدثت حركة إستعارة من اللغات الأخرى مثل اللغات الفارسية واليونانية لبعض المفردات التي لم يعرفها العرب مثل: بوظة- نرجس- طربوش- مهرجان، كما أنها دخل عليها بعض الإستعارات الحديثة، سواء المكتوبة أم المحكية، من اللغات الأوربية، تعبِّر عن المفاهيم التي لم تكن موجودةً في اللغة سابقاً، مثل المصطلحات السياسية: الإمبريالية، الأيديولوجيا، أو في مجال العلوم والفنون: رومانسية، فلسفة، أو التقنيات: باص، راديو، تلفون، كمبيوتر، إلا أنها تبقى مصطلحات معدودة وقليلة.
¤ اليوم العالمي للغة العربية:
في 18-ديسمبر من كل عام، تَقرر الإحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة وهى الانجليزية والفرنسية والصينية والروسية والاسبانية، بعد إقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، هذا التكريم الذى يؤكد أهمية ومدى انتشار اللغة العربية.
وهكذاخرجت اللغة العربية، لغة القرآن، من لغة قوم إلى لغة أقوام، ومن لغة محدودة بحدود أصحابها، إلى لغة دعوة جاءت إلى البشر كافة، فكانت لسان تلك الدعوة، ولغة تلك الرسالة، ونتاج تلك الرسالة من فكر وحضارة وثقافة...
الكاتب: غادة بهنسي.
المصدر: موقع البوابة الدينية.